قراءة للامية الشيخ العلاوي

تعتبر لامية
الشيخ أحمد العلاوي القصيدة الأم في ديوانه لطولها ولما تضمنته من مبادئ وقيم، فهي دستور الطريقة العلاوية ومنهجها، سطر فيها سيدي أحمد المبادئ و المنهج و الأصول، وبسطها للمريد السالك في أبيات شعرية هادفة.


مطلع القصيدة:

أيا أيها العشاق للمحضر الأعلى    عيدونا بوصلكم فلكم منا وصلا

يتحدث الشيخ في القصيدة عن أهل الله الواصلين ، يصفهم وصفا دقيقا معبرا وعن الشيخ صفاته ومزاياه وخصاله، وحاجة المريد للشيخ ويتحدث عن المشايخ بصفة عامة والمريدين الواصلين ثم يتطرق لأهل البعد وأهل التشديق والادعاء و التزوير ويتناول مريد المعنى والمريد و الشيخ الحقيقي ويتكلم عن الخمرة الربانية وأصناف المريدين وأصناف العارفين ثم يختم القصيدة بالصلاة على النبي عليه الصلاة و السلام. 

في القصيدة دعوة إلى الرابطة و الوصال من أجل الدخول إلى الحضرة الربانية، ففطرة الإنسان مجبولة على الشوق إلى الخالق عز وجل، ما على المريد إلا القرب والدنو من الخالق بالبذل و العطاء و التضحية بالنفس والأهل، فالمقام جدير بهذه التضحية لأن الجزاء من نفس العطاء. فالله سبحانه وتعالى يدل المريد الصادق إلى الولي المرشد ليربيه ويزكيه ويطهره من رعونات نفسه، فالشيخ يتجدد بعد وفاة كل شيخ لذا على المريد النهوض بأمره و الأخذ عليه باستعمال العقل و الحكمة و لا يضيع وقته لأن الإنسان إذا فاته الزمن سيتحسر كثيرا عليه.

ومن مميزات الشيخ أنه جواد كريم، يحرص حرصا شديدا على المريد أكثر من حرصه على نفسه، يرفع عنه الحجب التي تمنع قلبه من الوصول إلى المقام الأعلى، يغدق عليه من العلم اللدني الذي يغرفه أثناء دخوله لحضرة المولى عز و جل، فهو دائما في سمو روحي. بهذه الحضوة الراقية ينقذ الخلق من الظلال، ويوجد مريدين واصلين تتوفر فيهم صفات الصلاح و الفلاح وحمل الأمانة و الخلافة، ما على المريد إلا محبتهم و التخلق بأخلاقهم ومزاياهم، وينصح سيدي أحمد المريد بالمحافظة على الشريعة و التخلي عن الرذيلة، و لا يتبع سبل الأدعياء المتشدقين الذين يتكلمون في المعرفة و الحقائق وهم ليسوا أهلا لذلك.

ويعطي سيدي أحمد وصفا دقيقا للمريد، فله سمة في وجهه و نور على الجبين، خافض الطرف مذلل للوصال، له قابلية للوصول بالحياء و الأدب و الثقة و الصفح و الاعتبار بالأخلاء، لا يبالي بالمشقة و المعاناة بل يرى الوعرا سهلا. هذا المريد يمكن أن يتخلى عن الرذائل و العيوب و الخطايا و الأوصاف المذمومة و يتحلى بالفضائل و المحاسن بل يمكن أن يصبح من أهل المشاهدة و المكاشفة. وينصح سيدي أحمد المريد بأن لا يفرط في الشيخ الموصل إلى الله، فهو يمده بالمعرفة الحقة ويلقنه الاسم الأعظم الذي بفضله يفني المريد الأكوان ويدخل حضرة الواحد الأحد.

بعد هذه الإطلالة عن الشيخ يتحدث عن الخمرة الربانية التي لا تبغي البوح بالسر فهي تبدل وتغير الأحوال، تخمر عقول المحبين فتجعلهم هائمين بحب الله، ويزداد عشق المخمر للذكر و الطريقة، وللخمرة أثار كبيرة على المريدين فهي تنوع أحوالهم من حال إلى حال لكنهم متحدين في التوجه إلى الله، فبسبب هذه الخمرة يبرز التوحيد في الكل، ينعدم حجاب الخلق و لا يبقى إلا الحق. ويظهر العارف في حلة الخلافة حيث تغيب أناه وهو في الحضرة، يصبح فريد الذات لا يمكن تحييزه لأي شيء كيفما كان.

ثم ينصح سيدي أحمد المريدين بتأويل القرب من أجل الحضرة بالقرب وهذا لا يتأتى إلا بتنزيه الذات الإلهية تنزيها مطلقا، ويحذر من هتك الحجاب لأنه تعدي على حدود الله المحصنة، وفي الختام يتحدث سيدي أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو فريد الحسن حوا في نفسه ما حوت عباد الله نبيا مرسلا، فهو البحر الجامع و النور اللامع من حضرة المولى عز وجل، وكل ما يقوم به المؤمن من مدح و ثناء على رسول الله لا يفي بالمطلوب لأنه صلى الله عليه وسلم تجاوز مدح المادحين ووصف الواصفين، فهو مظهر نور الحق و الرحمة المهداة، يصلي عليه الشيخ صلاة الرضا و التكريم و الرحمة لتشمل أهل حضرة الله كهولا وأطفالا، ونصلي عليه كمريدين ومسلمين صلاة الرضا و الرضوان.

بهذه القراءة لأفكار سيدي أحمد التي جاد بها في لاميته أقدم للقارئ جزء يسير من دستور الطريقة و منهاجها تبعا لمستواي الثقافي الذي قد يتطاول على كلام أولياء الصالحين ، لأن كلامهم نور يتطلب التطهير من أجل فهم معناه وحقيقته، فهذه اللامية تحفز المريد على السير و السلوك و التربية و الأدب ، بسطها سيدي أحمد للمريد فكانت سهلة سلسة مطواعة منقادة يرجو من وراء ذلك هداية الخلق إلى الحق، نتمنى أن نفهم ونتبع ونسير على الدرب.


عبدالعزيز بوترفاس

تعليقات