المعنى في ديوان مشايخ الطريقة العلاوية

نتحدث عن المعنى في سياق ما تحدث عنه مشايخ الطريقة العلاوية رضوان الله عليهم سواء في الديوان أو ما ورد عنهم من كتب، فما معنى المعنى الذي يريد كل مريد أن يتحصل على نصيب منها كي يعتبر مريدا واصلا، عارفا بالله، متمكنا من حيازة الفهم والقرب والورود من معين المعرفة بالله.


يقول سيدي أحمد العلاوي :

مريد المعنى له سمة في وجهه    ونور على الجبين ضاء فتلألأ

ثم يقول في بيت آخر :

حننتم للمعنى حنينا وتاكم     خلفتم ما يفنى و الكل وراكم

يقول العلماء معنى كل شيء محنته وحالته التي يصير إليها أمره، والمعنى والتفسير والتأويل واحد وعنيت بالقول كذا...أردت، ومعنى كل كلام ومعناته قصده (اللسان عنا).

نعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ الذي يصل إليه بغير واسطة، ومعنى المعنى آخر، ولا يتوصل إلى معنى المعنى إلا عن طريق البيان و التشبيه والتمثيل و المجاز بأنواعه، ومعنى المعنى مسألة في الظاهر ليس لها حل إلا عند أهل الله الذين شربوا من مشرب معنى المعنى.

اذن المعنى شكل ومعنى المعنى دلالة ومضمون، والعلماء أشاروا إليها بعلم الدلالة قال البعض أن المعنى هو كيان ذهني وأنه يكون مفهوما أو إجراء. حينما شرب الصوفية من أسرار معنى المعنى حرموا على أنفسهم البوح بالحقائق قال سيدي حمو البوزيدي:

لو بحنــا إليهم ما علمنا قليلا     من صدقنا إلا الخواص أهل النور

فالمعنى وكذلك معنى المعنى لا تقال إلا للخواص أو الذين لهم ذوق وسلوك في مشرب العرفان لأن فيها خطر على العامة وعلى كل أهل الظاهر، ولتبسيط المعنى على السالكين أدرج أهل الله إشارات ومصطلحات وألفاظ وشطحات خاصة تتدرج إلى البحث في الدلالات و المعاني ليستطيع المريد التذوق من معاني العرفان، كما نفعل الآن في فهم مصطلح المعنى و معنى المعنى. وحتى لا نطيل في الحديث عن مصطلح المعنى نحاول فهم ماذا يقصد مشايخ الطريقة العلاوية: سيدي أحمد العلاوي وسيدي حمو البوزيدي وسيدي عدة من لفظ المعنى.

البيت الذي أدرجناه لسيدي أحمد العلاوي الذي يقول فيه :

مريد المعنى له سمة في وجهه      و نور على الجبين ضاء فتلألأ


نفهم منه أن المعنى هي نور باطني يبرز على ملامح المريد على مستوى الظاهري، وجاءت المعنى أيضا بمعنى الحقائق، والمعرفة بالألوهية، والمريد، والأسرار والحقائق والطريقة وروح الأشياء، ونور القلوب، ومظهر الأسرار، ونور الجمال،و الفناء في الله وحوض النبي صلى الله عليه و سلم، ملوك العناية، الخمر العتيق،الحسن، والنور الأزلي. عموما وردت المعنى في أبيات كثيرة في ديوان سيدي أحمد العلاوي، وسيدي حمو البوزيدي و سيدي عدة نورد البعض منها على سبيل المثال لا الحصر :

دنوت من حي ليلى       لمـــا سمعت نــدها  
جمعت فيها المعاني  سبحان الذي أنشأها

أنت من المعنى خالـي     جاهلا بالألوهية

دخلت للمعنــــــــــى      كي نراك يا الله
خرجت للـــــــــحس      نفتش عليك يا الله


فمعنانا معنـــــــــــى       بالكل احتـــــوى

أحباي أنتم تيهني معناكم      أبى القلب مني أن ينسى لقاكم

حننتم للمعنى حنينا وتاكم       خلفتم ما يفنى و الكل وراكم

أشارت بالمعنى         وجدتني رامي
قالت لي من انا           خفيت كلامي

خض بحر الأنـــــوار     والمعنى و الأسرار
وافن هذي الديـــــار      يبلغ قلبك منـــــــاه

سر الــــــــــــحقيقة      معنى الــطريقة
العروة الوثقــــــــى       بلا انفصـــــــام


إلى غير ذلك من الأبيات التي أوردها سيدي العلاوي ، أما سيدي حمو البوزيدي فيقول:

كم من جاهل أتى        ودخل طريقتي
صار من أهـل المعنى    ملوك العناية

يا عاشق المعنى      اقرب ليا و أدنى
لتسقى خمرنـــا      في كؤوس الراح


أما سيدي عدة فيقول عن المعنى :

نطقت بك معنى     و الناس في أزل
لبيت معترفا         بالواحد الأحد

والمريد إذا ذاق من سر المعنى عليه أن يدنى ليسقى من خمرة التوحيد، وذلك بمعرفة معاني الإشارات التي أوردها أهل الله للسالك كي يأخذ حظه في الطريق، و عليه أن يعرف هذه المعاني حسا و باطنا، و إذا بحثنا في الديوان و في كلام مشايخنا نجد أشياء كثيرة نقولها ولا نعرفها من بينها، الوقت ،الحال، المقام، المكان، الحق، الحقيقة، الإشارة، الصفاء، الفرائد، الخاطر الحيرة، الدهش، الطوارق، الشطح، الطوالع، الذهاب، النفس، الحول، التفريد، التجريد المناجاة، المسامرة، الذات، الدعوى، الاختيار، إلى غير ذلك من العبارات الصوفية ومعانيها. كما على المريد أن يفهم معان ومقامات الصوفية، في البداية يفهمها بظاهر معانيها ثم يتدرج في المعرفة على أن يحصل له مقام الفهم والتطبيق، وهذه المقامات كثيرة، كالتوبة، و الإنابة والقناعة، والورع، والزهد، والتوكل، الصبر، الشكر، الذكر، الفكر، العبودية، المجاهدة البكاء، الدعاء، التواضع، الجوع، الصمت، الاستقامة، الحزن، الإرادة، التقوى، الخوف الرجاء، الرضا، الإخلاص، الصدق، الإعجاب، الفقر، النعمة، الاستدراج، الدعوى، البلاء حسن الخلق، الحياء، المراقبة، المعاني، التوحيد، التصوف، الهيبة و التعظيم، القربة، المحبة الشوق، السماع، القبض والبسط، الجمع و الفرق، الأنس، الهمة، المشاهدة، الفراق، الوصال.

هذه المعاني الكثيرة إذا فهمها المريد يحمد الله تعالى كثيرا فإنه صار من أهل المعنى، و القرآن الكريم في كثير من الآيات يوجه المؤمن و المسلم و المحسن إلى ابتغاء تحصيل المعنى أي التأويل و التفسير بغية معرفة الله. وضرب لنا في هذا الموضوع الأمثال والآيات وأورد القصص من أجل أن نحصل على هذا المرام.

قال تعالى: "وكذلك يجتبيك ربك و يعلمك من تأويل الأحاديث." يوسف 6
وقال عز وجل: "أوفوا الكيل و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا" الإسراء 
وقال سبحانه وتعالى: "قال هذا فراق بيني و بينك، سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا" الكهف 77
وقال عز من قائل: "ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا" الفرقان 33

انطلاقا من هذا المنحى تكون المعنى من حظ العلماء والراسخون في العلم والمريدون الواصلون سادتنا أهل الله الذاكرون الذين أمدهم الله بعلم الظاهر والباطن، اللهم أجعلنا منهم آمين يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من الذين يقولون ويفعلون، و يتبعون أحسن القول آمين والحمد لله رب العالمين.


عبدالعزيز بوترفاس

تعليقات