نفحات علاوية في مدح خير البرية

حينما تقرا أمداح سيدي أحمد العلاوي لخير البرية المصطفى عليه السلام تجد أنوارا ربانية وأسرارا نورانية وفيوضات إشراقية وهمسات راقية، يتجسد فيها الحب في أحلى معانيه و الشوق في أبرز حلله، يقف القارئ مذهولا لوحي العبارة و لغة الإشارة، الشيخ يعبر عن حبه وهو في حالة وجد وسكر فاني بالكلية في حضرة المولى عز وجل ومتخللا بالمصطفى حسا ومعنى ومقيما في الروضة الشريفة ناهلا من الحوض، لذلك الكلمات ليست كالكلمات والألفاظ ليست هي الألفاظ، فالمتذوق للشعر الصوفي يعرف أنها تعابير نورانية منسكبة من مشكاة طاهرة.


الشيخ العلاوي يمدح رسول الله بالقلب ولكن اللسان يعجز ويعوج في وصف الحبيب لأنه يفوق تصوراته وخياله وإدراكه، يحاول أن يمجده لكن تخونه العبارة و اللفظ لا يساعد على الوصف، حتى المديح يصبح سفاهة في مدح المصطفى، فالأمثال عاجزة وقاصرة عن مثله.

يستعمل الشيخ كلمات راقية ومفردات تسلب الروح والعقل، يصف المصطفى بأبهى تعبير وأجمل تفسير فهو ثريا وكوكب وهاج ونجم فوق السماء ونور البهاء ، الأكوان كلها من نوره.

يقف المتذوق عاجزا عن إدراك الأمثال والدلالات التي يمدح بها الشيخ المصطفى عليه السلام، فهو نور الإله فاق جميع الخلائق فرع وأصل، فإذا عبر الشيخ عن عجزه وقصور فكره في مدح خير البرية فإن المريد يقف عاجزا عن فهم إشارات الشيخ وفك الرموز والمفردات، إنه يندهش لذلك الفيض الرقراق في تلك القصائد الرائعة و الأذواق البارعة والأمداح اللامعة لخير البرية، الشيخ لا يقف عند المدح فقط ولكن يفنى في رسول الله بالكلية متخلل به مسلوب العقل والقلب لا يصبر عنه و لو للحظات قليلة وهذا من دواعي الاتصال والقرب.

ولتقريب المعنى والدلالة للمريدين استعمل الشيخ مصطلحات راقية قدم بها الموصوف بأحسن وأجمل التعابير وأفضل الأمثال، الشيخ دائم اللوعة دائم الانتظار كثير الشوق والغرام والهيام به كلف وبكاء وحزن وكمد وذبول وانكسار وله زفرات وسهاد ونحول إنه الحب لرسول الله ، فهو متخلل به يستأنس به في خلواته وجلواته ، وحينما يعبر لا يبقى له إلا إدراك تلك العظمة وذلك النور، يقول سيدي أحمد العلاوي:
 إذا ذكرت طه نخشى عقلي يغيب     مجدوب فيه حق الجدبة

هذا عن الشيخ أما المريد فيقف إجلالا وإكبارا لشيخه الذي وفقه الله إلى هذه الرتبة وهذا المقام العالي، نظر إلى المصطفى بقلبه ووجهه وعقله فمدحه بأحلى الكلام وأجمل تعبير، ومن حظ المريد أنه يتعلم من شيخه حب رسول الله فيحفظ هذه القصائد ويرددها في المجامع وكلما شعر بوجد اللهفة إلى الحبيب عليه السلام، فيزداد بذلك حبه لرسول الله ولشيخه.

بينما هؤلاء الذين ينسحبون عند ذكر رسول الله و لا يمدحونه فهم أكبر البخلاء، أما الذين يسخرون منه فعاقبتهم خطيرة في الدنيا و الآخرة. اللهم ارزقنا حبك وحب رسول الله وحب من يحبه.


عبدالعزيز بوترفاس

تعليقات