الشيخ العلاوي حامل لواء الجهاد الفكري ضد المستعمر الفرنسي

ولد
الشيخ أحمد بن مصطفة العلاوي المستغانمي سنة 1291هـ - 1874م في مدينة مستغانم الجزائرية وحيداً بين أختين، وقبل حمل أمه به رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامها وبيده الشريفة زهرة نرجس، فابتسم في وجهها وألقى بالزهرة إليها، فقبلتها منه على استحياء، ولما أفاقت قصّت الرؤيا على زوجها فأوّلها بأن الله استجاب دعاءه الذي طالما دعا الله به (رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين) وبعد أيام حملت الأم به فاستبشر الأهل بهذا الحمل الميمون الذي أعقب الرؤيا، وتمم الله تعالى فرحتهم بولادته، فأخذ الأب يغذوه بالتربية والعلم.

أخذ الشيخ أحمد العلاوي العلم عن علماء وقته حتى تضلّع، ثم دفعه للمربي الكبير الشريف محمد بن الحبيب البوزيدي فراضه بأنواع الرياضات على طريقة الصوفية حتى فاق أقرانه علماً وأدباً، ولما انتقل الشيخ لجوار ربه أجمع التلاميذ على توليه إمارة الزاوية بعد شيخهم، فقام بهمة وعزم صادقين.

وكان مما يقلق الشيخ أحمد العلاوي تنفيذ فرنسا برنامجها الخطير وهو فرنسة الشعب الجزائري، فأدرك بثاقب فكره خطورة الموقف، وما أقامه الله به من المسؤولية العلمية، فتصدى لهذا الخطر الداهم بتعليم أتباعه وبثهم دعاة في أرجاء الجزائر، وشيّد الزوايا لتكون صروحاً علمية، وأقام الندوات الفكرية والمحاضرات والمؤتمرات، وأنشأ الصحف حتى تصل الكلمة لكافة قطعات الشعب، فأنشأ صحيفة لسان الدين، ولما رأت فرنسا خطورة هذه الصحيفة على مخططاتها في الجزائر أغلقتها، ثم أنشأ بعدها صحيفة البلاغ الجزائري، وقام خليفته الشيخ عدة بن تونس بإنشاء صحيفة المرشد وكانت باللغتين العربية والفرنسية، وفعلاً وصلت هذه الكلمة التي خرجت من قلبٍ صادقٍ حريصٍ على إنقاذ هذه الأمة، فثاب الناس إلى دينهم وتمسكوا بأهدابه، وأموا زوايا الشيخ، حتى ما مضى سنوات عدة إلا وأتباعه يعدون بالملايين.

لم يقتصر نشاطه داخل الجزائر، يل تعداه إلى كافة أرجاء أوروبا وغيرها، فكانت له الزوايا في بريطانيا وهولندا وفرنسا، والحبشة والحجاز وفلسطين وسورية والمغرب الأقصى، حتى صار بحق المجدد للقرن الرابع عشر الهجري.

خلّف الشيخ ثروة علمية قيّمة سواء على صعيد العلماء الذين تخرجوا في زواياه، أو الكتب التي صدرت عنه، وقد استقصيت كتبه ومقالاته في الصحف فحصّلت منها ما يقارب ستة عشر مؤلفاً وقد قامت المطبعة العلاوية التابعة لزاويته بنشر تراثه.

توفي الشيخ أحمد العلاوي رحمه الله سنة 1353هـ/1934م، ودفن بزاويته في مستغانم، وأقيم عليه مقام يؤمه الزوار من مختلف الأرجاء.

محمد فاروق الإمام

تعليقات