الشيخ العلاوي - شعور الأمة بواجبها نحو دينها وقوميتها

مما هو ضروري لقوام كل أمة مهما كانت تريد أن تبقى أمة مستقلة في مميزاتها , لغة وديانة وقومية, تلك الجواهر التي هي بها أمة, هو شعور أفرادها بواجبهم نحو قوميتهم ولغتهم وديانتهم. 

والمعنى أن الأمة هي عبارة عن تلك المميزات فلا تستطيع أن تتبوأ مركزا بين الأمم إلا بخصائصها التى هي بها أمة وكلما اشتد شعور أفرادها بواجبهم نحوها اشتدت ميزاتها ولربما تنبعث منها أشعة على غيرها من الأمم فتصبح تدين لها, إما بالقومية وإما باللغة وإما بالديانة وإما بجميع ذلك.

وقد عرفت أمة الإسلام واجبها في البدء فكونت من نفسها بذلك الشعور ما خول لها حق التفرد بمعنى القومية والدين إلى ان أصبحت وكذلك ظلت المثل الأعلى بين الأمم, لا تقتبس الأنوار في جميع التقدمات المادية والأدبية النزيهة إلا من مشكاتها والتاريخ أعدل شاهد.

وهكذا كان في استطاعتها أن تدوم على نظير ذلك لولا أن الدهر حمل على عاتقه أن يبلي كل جديد بما يحدثه من الوهن في قلوب الزعماء فيصبحون فيه مُسْتَعْمَلِين بعد أن كانوا عاملين, "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ[الرعد:11], وقوله "وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ[فصلت: 46].

هكذا أخذت أمة الإسلام بعد السابقية ترجع القهقرى وتسير إلى الوراء في تدهور متتابع الى أن أصبحت تشك في كل شيء من شأنه أن يتركب منه قوامها وتتخلص من كل صبغة من شأنها أن تربطها بماضيها.

هذا ما تراها الآن تفعله بالسجية لا لشيء سوى الولوع بعوائد الغير مع ضعف الثقة بالله وسقوط الهمة, الأمر الذي قد كان يظهر من أوضاع المستحيل أن يتصور نظيره في أمة الإسلام.

تلك الأمة التي يسجد لتاريخها المؤرخون ويعترف بمكانتها العالمون تجدها اليوم تتوسع أقلام كتابها فى كل ما من شأنه أن ينقلها من القديم إلى الحديث على أي شكل كان ذلك الانتقال.

ولتلك الغاية تعددت الدعايات وانتشرت البليات كما تراها بكيفية مخطرة وبضروب مختلفة وجميع ذلك يعمل في دائرة تحطيم القديم ولا مبرر لدعوى الداعين لذلك التحطيم سوى أنهم مجددون ومصلحون وناهضون ومتنورون وغير ذلك مما مفاده يرجع لمعنى واحد يصلح أن يعبر عنه من حيث الغاية بالمسخ القلبي والقالبي الذي كثيرا ما هدد به الإله جلت قدرته نوع الإنسان ومن ذلك قوله : "وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلً" [الإنسان: 28].

هذا هو عُصَيْرْ الجديد وزبدة المخيض, فمن أراد ان يتخذ إلى المسخ سبيلا فليعمل في دائرة التجديد بالقدر الذي يستطيع إليه, وإذا فلا يأتي عليه حين من الدهر إلا وهو أو أبنائه في شكل لا تعرف له إسما ينطبق عليه, غير أن في استطاعة المفكر أن يقيم ذلك الشكل تمثالا في مخيلته, ومن لم يستطع ذلك فحسبه أن يؤمن بالغيب وبعد حين تنجلي الحقيقة وينكشف القناع فتأتيه الأيام بثمرة غرس المجددين المصلحين.

المصدر: جريدة البلاغ الجزائري- شعور الأمة بواجبها نحو دينها وقوميتها - العدد 156 بتاريخ 14-03-1930.

تعليقات