الشيخ العلاوي - حرية النشر

حرية النشر هي من النعم الجسيمة يؤتيها الله الأمة بواسطة حكومتها, فإذا وقعت بيد من يقدر النعمة قدرها ويوفي الأشياء قسطها, استفادها فائدة ثمينة, واستفاد بها في أقل زمان مالا يستفيده بغيرها من الوسائل ولو حاول زمانا طويلا, وإذا وقعت بيد من لا يقدر النعمة قدرها, ضيَّع بها ما قد يناله بدونها في أقصر زمان وأصبحت تعتبر عنده نقمة عليه وعلى أمته المنكودة الحظ.

كل ذلك بسبب جنايته الناشئة عن سوء تصرفه بعد أن كانت تعتبر من جلائل النعم قد يستدرك بها ما فات, ويصلح بها ما هو آت, وهذا مما لا يحتاج إلى إقامة دليل.

أليست هاته الصحافة المبتذلة الآن للعموم, كانت هي غاية ما تسمو إليه همة الوطنيين على اختلاف طبقاتهم وتباين نزعاتهم ؟ فكل كان يتخيل من ورائها ما يتمثل أمله العريض الطويل.

فالمرشد يراها أكبر معين على بث إرشاداته, والسياسي يراها أكبر وسيلة لنيل حقوقه, والاقتصادي يراها أبلغ مساعد في ترويج أغراضه, وقس على ذلك.

ولا واحد إلا وهو يعلق من الآمال ما هي به جديرة, وعليه, فهاهي الآن قد سمحت بها الظروف على شحنها بمثلها على من هو مثلنا, فما لنا يا تعسة الحظ لا نغتنم هاته الفرصة الثمينة بجمع شعثنا. وهل خلقنا لنعمل على عكس ما تعمل عليه بقية الأمم, أم الطبيعة حكمت علينا لنعيش أفذاذا, أم كتابنا يأمرنا بما نرتكبه الآن من السعي قي استجلاب أسباب التدابر والتنافر...؟

لا والله ما جاءتنا الحنيفية بذلك, ولا أمرتنا السنة بما هنالك, ولكنها الأهواء عمت فأعمت.

فليترك كتابنا ذريعة النصح جانبا, فقد طالما ارتداها المغرضون قديما وحديثا ذريعة للتشفي من ورائها, والأولى أن يتجاهر الكاتب بما يكنه ضميره من إرادة الانتقام من خصمه ليكون أقرب إلى الحقيقة من دعوى النصيحة على أن النصح لا تخفى شواهده ولا تعدم فوائده.

أما ما استفادته أمتنا من هاته الجعجعة التي هي للفضيحة أقرب منها للنصيحة, لم يكن  بأكثر من أنها انقسمت على انقسامها وكادت تأتي على البقية الباقية من جامعتها.

هذا ما استفدناه ويستفيده منكود الحظ مثلنا من حرية الصحافة, عندما غيرنا يستفاد منها ما يطمئن له حسن مستقبله.

اللهم أهد هاته الأمة فإن الأغراض أظلمت عليها المسالك فهاهي تنتهك في أعراض بعضها انتهاكا وليست هي بالمقصرة على انتهاك ما بعدها من الدماء والأعراض مهما وجدت لمثل ذلك سبيلا على ما يظهر لأن حرمات الجمع على السواء.

فليتنبه كتابنا ولا يتناسوا من كونهم مسئولين عما يكتبون ومحاسبين على ما يبدون. روى عن الامام علي (رضي الله تعالى عنه) أنه قال "لن يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه, ولن يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".
 
المصدر: جريدة البلاغ الجزائري - حرية النشر, العدد 6 بتاريخ 24 رجب 1345, 28-01-1927.


تعليقات