عبد القادر بن قارة مصطفى - الشهائد والفتاوي

من بين شهود الجزائر في كتاب الشهائد والفتاوي, الشاهد الثاني من القسم الأول في سرد طائفة من شهادات ذوي الهيئات الشرعية والمراتب الدينية الرسمية, الشيخ عبد القادر بن قارة مصطفى مفتي الديار المستغانمية
, وهوالذي أمَّم جنازة الشيخ العلاوي وصلى عليه.

شهادته في الشيخ العلاوي :
... إن هذا الرجل (يقصد الشيخ العلاوي) هو فينا ذو نسب ومن أسلافه العلماء والصلحاء نشأ في بلده بين أظهر قومه... وتربى متدينا مشتغلا بما يعينه... وهو في تدينه مالكي المذهب, أشعري العقيدة, شاذلي الطريقة, يحضر الجماعة والجمعة ويرغب في الخير ويحب أن يعمل به...

سندرج شهادته كاملة قريبا إن شاء الله...

هو عبد القادر بن عودة بن الحاج محمد بن قارة مصطفى الشريف الحسني من سلالة سيدي عفيف بمستغانم.

ولد بمستغانم مسقط رأسه سنة 1862م كما جاء في "الكتاب الذهبي" و قيل سنة 1859م، و الأولى هي الأصح لأنها من رواية تلميذه ابن شهيدة ... و لذا كان محل عناية أبيه مصطفى أحد أشهر حفظة القرآن الكريم في وقته ، حيث اشرف شخصيا على تحفيظه القرآن الكريم منذ صغره ، و بعد وفاة الوالد انتقل إلى كفاله عمه " الشيخ سيدي بن عودة " بمدينة غيلزان حيث يقيم العم الذي رباه أحسن تربية و علمه ما يحسنه من العلوم الدينية كالتفسير و الحديث و الفقه ، كما تعلم النحو و الصرف على يد علماء مدينة غليزان .. وعاد بعد ثلاث سنوات إلى مدينة مستغانم ليواصل طلبه للعلم.

قام الشيخ عبد القادر بن قارة برحلات متعددة لطلب العلم إلى كل من قصر البخاري وتلمسان ووهران ، و تعلم على علماء و شيوخ نذكر منهم :
- الشيوخ العربي بالقاسم و المدني و العكرمي – بزاوية الموسوم – بقصر البخاري .
- الشيوخ سيدي أحمد المختار و الطاهر بن عمار و الأخضر بن ميموني .
- الشيخ العربي الفجيجي الذي تلقى عنه علوم النحو و الصرف و العروض.
- العلامة أبو الحسن سيدي علي بن عبد الرحمن ، مفتي الديار الوهرانية (ت 1324هـ).
- الشيخ ابن عبد الله شيخ زاوية غليزان.
- القاضي أبو بكر بن شعيب بن علي الجليلي التلمساني ( ت 1347هـ / 1927م ).
- الشيخ قدور بن سليمان المستغانمي
- الشيخ محمد بن أبي القاسم الحفناوي - بزاوية الهامل ببوسعادة.

أما ابرز تلاميذه فهم:

- ابنه البكر ولد البشير.
- الشيخ الطاهر بن شهيدة اليحياوي .
- القاضي و الشاعر عبد الحميد رئيس محكمة وهران.
- الشيخ الفقيه يوسف المجاهري ( ت 1944هـ ).
- الشيخ الصوفي احمد بن مصطفى العلوي .

عمر الشيخ بن قارة المسجد الأعظم بمستغانم كأستاذ لحلقاته ابتدءا من سنة 1885م حيث كان يحفِظَ القرآن الكريم و يدرس الحديث والفقه المالكي و التوحيد و النحو والصرف, ويقول تلميذه ابن شهيدة بان شيخه ابن قارة كان محل اهتمام أهل المنطقة, وأن أول درس شرع فيه الشيخ حضره عالم من علماء المدينة المنورة (لعل الكاتب يقصد الشيخ محمد ظافر المدني الصفاقصي) وقال لهم بعد أن استمع لدرس الشيخ : "يا أهل مستغانم لقد فتح الله عليكم عينا من عيون العلم والمعرفة فاشكروه على نعمه، واغتبطوا في ذلك واغتنموا تسعدوا".

كما كان الشيخ يلقى دروسا في مساجد المدن التي كان ينتقل الى زيارتها .


من بين الإجازات التي كان الشيخ يعتز بها إجازة القاضي أبو بكر بن شعيب بن علي الجليلي التلمساني، فقد قال عنه : "وقد أجازني إجازة عامة مفصلة وسند القاضي شعيب في إجازته عموما موجود عند الشيخ عبد الكبير الكتاني وجعفر الكتاني والشيخ القادري والقهري والعمراني والعنادي وعلي بن عبد الرحمن شويوش, ويعبر عنه بالوهراني والطالي والمهدي والفقيه ابن حمزة والقاسمي والفحلي وابن غزة ....الخ".

كان الشيخ ابن قارة محدثا فقيها ومفتيا وناظما, يغلب عليه الميل إلى شيوخ التصوف, فقد وصفه معاصروه بأنه عالم جليل متواضع قليل النضير، عالم مصلح بارز ومعلم من معالم مدينة مستغانم الذي تمتع فيها بسمعة ومكانه رفيعة.

آثاره :
1) - منظومة "قرة الأعيان في أدب تلاوة القرآن" وهي منظومة من 124 بيتا قسمها إلى مقدمة و فصول أشار إلى اسمها في مقدمتها فقال:
سْميتها بقرة الأعيان....في آداب تلاوة القرآن
وقد قام العلامة الشيخ محمد بن طكوك بتقريظ هذه المنظومة قائلا:
أيا من تسامت له همــة .... ترغبه أبدا في الكتاب
مرتل آياتـــه خاشعـــــا ..... فديتك عرج على ذا الآداب
على نسج ذاك البليغ الفصيح ....كنز العلوم حليف الصواب.
2) – "حتمية الأنوار المحمدية النبهانية مختصر المواهب اللدنية السلطانية  وهو نظم مختصر "الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية" للشيخ القاضي يوسف بن إسماعيل النبهاني المتوفي سنة 1922 م, و هو مجموع أبيات، منظومة في 92 بيتا.
3) – "نيل الأمان في شرح عقد الجمان لنظم فتح الرحمن" وهو شرح لأصل "عقد الجمان النفيس في تراجم علماء غريس" لمؤلفه سيدي عبد الرحمن التوجيني الذي قام بنظمه القاضي شعيب التلمساني, وقد شرحه نظما تلبيه لطلب القاضي شعيب, حيث يقول في هذا الصدد: ''فأجبته بعد الاستخارة وشرحته بفضل الله امتثالا لأمره وإسعافا لرغبته على ما اعلمه من نفسي من القصور عن ذلك الشأن, و سميته بنيل الأمان في شرح عقد الجمان لنظم فتح الرحمن''.
وعقد الجمان سبق للشيخ محمد بن محمد بن أحمد بن أبي القاسم الراشدي المزيلي أن قام بشرحه في منظومة سماها : ''فتح الرحمن في عقد الجمان''.
4) – رسالة مطولة في صفحات أربع كبيرة كتبها كرد على جواب العالم الأمثل سيدي بن عودة ابن إسماعيل إمام مسجد زاوية الشيخ بن عبد الله بغليزان فيما يتعلق بفتاوى شيخه العلامة علي بن عبد الرحمن مفتي الديار الوهرانية ساق فيها الأدلة الشرعية والبراهين العقلية التي لا تقبل الجدال في صحة ما أفتى به شيخه.
5) – مخطوط : رسالة في جواز إعطاء الزكاة لآل البيت.
6) – مخطوط : إرشاد الخلق إلى الحق.
7) - رسائل في فنون متنوعة من توحيد وفقه وإرشاد ونحو وصرف ( توجد عند بعض الخواص ).

من المناصب التي تولاها, عين مدرسا بالجامع الأعظم بمستغانم خلفا للشيخ محمد الحاج بن عمر بعد تعيين هذا الأخير سنة 1885م مفتيا للمدينة, حيث كان يحفظ ويشرح القرآن الكريم ودرس متن خليل وبن عاشر, والحديث الشريف, فدرس صحيح البخاري والموطأ والأربعين النووية, والتوحيد والسيرة الشريفة والأخلاق وغيرها من الآداب.

في سنة 1898م عين مفتيا لمدينة مستغانم بعد وفاة الشيخ محمد الحاج بن عمر, وقد احدث تعيينه في هذا المنصب ضجة داخل المدينة نظرا لصغر سنه, حيث كانت هذه الوظيفة لا تسند إلا للكهول وكبار السن, ولكن هذه الضجة سرعان ما خمدت بعد ان شاهد المواطنون من فقه وحكمة الشيخ وعمق معارفه وغزارة علنه حيث بقي الشيخ في هذا المنصب حتى بدأت أيادي الاستعمار الفرنسي تتدخل في تعيين رجال الدين الذين يهادوننها ولا يحرضون المواطنين عليها, ولما كان الشيخ ممن لم يسكتوا عن مظالم الاستعمار ولم يكن يفوت أي فرصة أو درس الا وحرض المواطنين على عدم الرضوخ للاستعمار, فقام الحاكم الفرنسي بعزله من منصب المفتي.

توفي الشيخ رحمه الله يوم الاثنين 1375هـ/14 فبراير 1956م بمدينة مستغانم, وقد حضر تأبين جنازته وصلى عليه الشيخ محمد بن طكوك والشيخ الطيب المهاجي عالم وهران ومسندها والشيخ المهدي بوعبدلي مفتي الشلف وغيرهم, ودفن بتربة سيدي قدور بن سليمان, رحمه الله وجعل الجنة مثواه, آمين.

المصادر :
- أعلام الجزائر : منشورات وزارة المجاهدين سنة 2008.
- تعريف الخلف برجال السلف للحفناوي - مؤسسة الرسالة, الطبعة الثانية 1985.
- بن سكيرج أحمد الرحلة الحبيبية الوهرانية – طبعة حجرية – فاس (د.ت.ط.)
- المستغانمي ( عبد القادر بن عيسى ) مستغانم واحوازها عبر العصور تاريخيا وثقافيا وفنيا, المطبعة العليوية, مستغانم, الطبعة الأولى (د.ت.ط).

- مقال لأحد تلاميذ الشيخ بعنوان "وفاة المفتي الشيخ عبد القادر بن قارة مصطفى", منشور بجريدة النجاح السنة 35, العدد 4378, سنة 1956 م 
- ابو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائري الثقافي ج4.


- إنتقل إلى فهرس الشهائد والفتاوي

تعليقات