الشيخ العلاوي - التمدن الحاضر والدين

قال المكاتب : في هاته الأيام مر الأستاذ ابن عليوة, الرئيس المحترم لعموم العلويين, على بلدتنا (غليزان) بمناسبة قدوم أحد الحجاج الفضلاء حضرة الخير المحبوب عندنا السيد الحاج أبو مدين بن ديمراد.

ولحسن الحظ والمناسبة حصلنا على الاجتماع بالأستاذ بن عليوة, ذلك الأستاذ المعتبر المعروف بالفكر العالي والعلم المتسع. فان الاجتماع بهذا الرجل يحدث سرورا في النفس وزيادة في العلم بما يسمعه الجالس من حديثه وتدقيقه الأمور السابقة والمسائل العصرية بكل تحرير.

إن حضرة ابن عليوة ليس هو كغيره من بعض مشايخ العصر ممن يغلب عليهم الانكماش والتعصب والقصور عن الخوض في الفنون العالية المختلفة الأنواع بل يستطيع أن يجاري جليسه في أغلب الأمور خصوصا فيما يرجع للمدنية العصرية والتقدم الحاضر, ويرى ذلك مما يتعين على المسلم المشاركة فيه.

نعم إنه يرى كل ذلك مطلوبا مع المحافظة علم الأحكام الشرعية والأوامر الدينية فهو لا يسمح بأي تفريط في ذلك.

يقول ابن عليوة : إن من يفهم معنى الدين حق فهمه, ويعمل به حسب أمره ونهيه ينقلب بسرعة صالحا لنفسه و صالحا لغيره, لأن الديانة تنهينا عن سائر الاشياء التي لا تتفق مع الانسانية والمدنية الحقيقية, خصوصا ما هو كتعاطي الخمور والربا والقمار, فإن هاته الأضرار الثلاثة قد علم نبينا (ص) مضرتها في أول بعثته, فكان يحاربها بلسان القرآن الى أن قضى عليها القضاء المبرم وحرمت من الله تحريما باتا.

ثم قال : إني أتعجب كثيرا من بعض الدول المتمدنة خصوصا منهم حكومة فرنسا التي هي أرقى الممالك العصرية, كيف فاتها أن تجعل قانونا مانعا لتعاطي الكحول السامة للعقول والأبدان, مع علمها بضررها الضرر البين؟

ثم قال : إن الذي يهمنا كثيرا هو ما حل بأبنائنا حيث فاتتهم فوائد التمدن الحاضر فبدل أن يغتنموا فرصة الاستفادة من فوائد الرياضيات والصناعة  والعلم التي يطلبها التمدن العفيف والتي تحاول فرنسا تعميمها, جنحوا ويا للأسف إلى ما فيه مضرتهم المادية والأديبة بسب استرسالهم في الملاهي والمفاسد, الأمر الذكي لا يستفيدون منه إلا ضعفا في الأبدان والعقول والأموال, ولا يبعد أن تسري عدوة ذلك الداء حتى في أبنائهم فيجيئون على ضعف البنية وفساد الطبع.
 
‏أما الذي أظنه في سبب بقاء الجنس العربي تام البنية, وافر الاستعداد, هو عدم تعاطي الكحول والاقتصار على الماء الزلال واللبن الخالص.

وعند هذا الحد انتهى بنا الحديث مع الأستاذ ثم صافحناه متشكرين قائلين له أن حديثا يسمع منك كهذا يزيد شرفا لمثلك من مشايخ العصر.



المقالة تحت عنوان "مرور", جريدة صدى الجزائر, بتاريخ 14-08-1927 (نشرت مترجمة بجريدة البلاغ الجزائري, العدد 34 بتاريخ 26-08-1927) عند مرور الأستاذ العلاوي بمدينة غليزان لحضوره احتفال بمناسبة عودة  تلميذه أبومدين بن ديمراد من الحج.


تعليقات