الشيخ العلاوي - إجابته عن الأفضلية في لا إله إلاّ الله على سائر الأذكار

سئل رضي الله عنه عن وجه الأفضلية في لا إله إلاّ الله على سائر الأذكار، مع أنّ غيرها من الأذكار لم يشتمل على نحو النفي والإثبات، بل هو خالص الذكر
فأجاب قائلا:
 
كانت لا إله إلاّ الله أفضل وجوه الذكر على الإطلاق لاشتمالها على كلّ وجه من وجوهه، معقول ومجهول، لأنّ الذكر فيه ما هو معقول المعنى، ومنه ما هو مجهول المعنى، إلاّ عند "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ" [الزمر:18] والوجه المعقول منه لا يخفى عن العموم، قال تعالى "وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" [الأعراف:180] وهو ذكر الموحدين من عباد الله، والوجه المجهول المعنى، المتعذّر الإدراك، هو ذكر بقيّة المخلوقات، قال تعالى "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" [الإسراء:44] ولا تقل تسبيح الشيء هو دلالته على وحدانيّة الله تعالى، فلو كان كذلك لما قال "وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" فأين الفقه والحقّ يقول لَا تَفْقَهُونَ؟ والواقع أنّ الأشياء تسبح لله عزّ وجلّ كغيرها من الموحدين بلسان ناطق حسبما يليق بجلاله، ولا نتوصل لنطق الحامد على ما هو عليه "سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ" [الفتح:23].

كان صلّى الله عليه وسلّم يخبر في كثير من النوازل على أنّ كلّ شيء يسمع، ومن ذلك خبره أنّ الميّت يصيح إذا خرج من محلّه صيحة يسمعها كلّ شيء إلاّ الثقلين، فأثبت السمع لكلّ شيء، كما أثبت النطق للميّت مع أنّه من الجمادات، والذي يشعرك بأنّ الأشياء من حيث هي ناطقة نطقا لا نسمعه، قوله تعالى حكاية عن نطق الجوارح، وهي من الصوامت، حيث قال "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [النور:24] فأثبت تعالى النطق للجوارح، ثمّ أثبت في آية أخرى أنّ الأشياء ناطقة، قال تعالى حكاية عمّن استغرب شهادة الصوامت "وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ" [فصلت:21] فبعد ما نطقت الجلود، أخبرت أنّ كلّ شيء ناطق، وعلى كلّ حال، نعتبر أنّ جميع الأشياء تسبح الله عزّ وجلّ، إلاّ أنّ إدراك التسبيح في شرك المشرك متعذّر، إلاّ لمن "أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ"  [ق:37] يجد ما من كلام يتلى، إلاّ وفيه سرّ يجلى، والجميع مندرج تحت لا إله إلاّ الله، لأنّها جاءت على شقين نفي وإثبات، فما كان من قبيل الجحود، فهو داخل تحت شق النفي، وما كان من قبيل الإقرار، فهو داخل تحت شق الإثبات، ومجموع الكلمة ذكر نفي وإثبات، ومن المعلوم أنّ الإنسان يؤجر على جميع الكلمة بسائر حروفها، فقولك لا إله كقولك إلاّ الله بالنظر لعموم الفائدة، مع أنّ الشقّ الأول بقطع النظر عن انضمامه للثاني، هو جحود محض، ولو لم يكن تسبيحا لله لما أخبرنا عليه، ومن هنا نعلم أنّ جميع الأصوات فيها دلالة على تنزيه الذات وإن لم نتوصل لمعناها، فإنّه تعالى مذكور بكلّ لسان، ومن ذكره بكلمة الإخلاص، فإنّه ذكره بكلّ لسان، وفي الخبر ما يدلّ على أنّ من قال لا إله إلاّ الله يعطى ثوابا بعدد كلّ مشرك ومشركة، وقد جاء في فضلها ما لا يدخل تحت حصر.

تعليقات