يقول الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): "لا يترك الناس من أمر دينهم شيئا لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضر منه".
أيها المسلم المضطرب في إسلامه, لا تصرف وجهك عن الدين ولو قليلا, وتطلب السعادة في الخارج عنه, فاني رأيتك مشوش الفكر, غير مطمئن له اطمئنانك من قبل عندما كنت ترى الدين بالعين التي كان يراه بها سلفك الطاهر, وأنت أنت من قبْل غير انك رأيته بعين من لا يراه, فأحدثت تلك الرؤية المشؤّمة في ظنك تشويشا, فأصبحت منه على غير اطمئنان, حتى لربما تتخيل السعادة كل السعادة في الخارج عنه, أما حظ السعادة فيه فنزرا قليلا وهيهات أن تكون لك سعادة في الخارج عنه لا في هذه ولا في تلك.
دع أيها المسلم هوس المهوسين وإلحاد الملحدين, القائلين بعرضة الدين في طريق الدنيا, تلك أقوالهم بأفواههم أخذوها بالمتلقين من إخوانهم الغربيين على نية أن يفسدوا في الدين, فاحذرهم قاتلهم الله أن يفتنوك في دينك, فتلك فتنة المحيا ولفتنة الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون, ولا تظن أن من يقول بمعارضة الدين لمصالح الدنيا على بنية من أمره, ولكن الأهواء تعمل في بني الإنسان ما تعمله الصهباء في الأذهان.
أيها المسلم الحريص على نجاته الشحيح بدينه وعقيدته, ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ۖ مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ [آل عمران: 197,196] يقول عز من قائل ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: 20]
أيها المسلم أنا لا أقول لك اترك ما بيدك لغيرك, أو اترك دنياك لآخرتك, ولا أمرك أيضا أن تزهد في معاشك. إنما أقول لك لا تطلب الدنيا بإتلاف دينك, ولا تحقرن من أمره شيئا لأنه عزك الأبدي, وشرفك السرمدي. روي عن الإمام علي كرم الله وجهه آنه قال: "إن الله أعزكم بالإسلام فمهما طلبتم العز بغيره يذلكم الله".
أيها المسلم بل تحسب أن الإسلام لا يحفل بنهضتك ويعتني بمشاركتك لغيرك في معترك هذه الحياة, كلا ولكن يريد منك أن تشاطر غيرك وأنت مسلم عفيف, طاهر نظيف, كريم النفس, كبير الهمة.
أيها المسلم إن مجال الإسلام أوسع من أن يضيق بنهوضك ورقيك وتقدمك كلا, إنما يضيق صدره باسترسالك وانهماكك انهماك من لا أخلاق له.
الإسلام أوسع للناس فيما ينفع الناس, وأضيق على الناس فيما يضر الناس, فإن شئت أن تكون مسلما ولا أخالك إلا كذلك, فلتكن خالصا للإسلام, مخلصا له, أما من يريد أن يكون مسلما بطرف, فإن الله أعلم بإيمانه وبه المستعان.
المصدر: جريدة البلاغ الجزائري - لا يترك الناس من أمر دينهم شيئا..., العدد 15 بتاريخ 28 رمضان 1345, 01-04-1927.
تعليقات
إرسال تعليق