الشيخ العلاوي - أبناء "الإسلام" مالكم لا تشعرون؟

أبناء "الإسلام" لم لا تفقهون ما أحيط بدينكم العزيز من الأخطار المدلهمة؟ فهل أنتم غافلون أو متغافلون!؟ فلابد أن يكون شيء من ذلك, وفي الواقع منكم ومنكم. أما الغافل فحقه الانتباه ليأخذ حذره ما يبدد معتقداته, وأخلاقه وأحكامه على الإطلاق التي هو بها مسلم.

وأما المتغافل فيخشى عليه أن يعتبر نظير المهاجمين على الدين لأن سكوته يعتبر تقريرا وإلا فكيف تسمح نفس المؤمن الشحيح بدينه أن تدوس كرامته حوافر المعتدين وهو ساكن الحال مطمئن البلبال! لا والله أن الأمر على خلاف ذلك, حقيقا لو أنه لحقه شيء مما يضر في أعز عزير عنده لما رأيته بتلك الصفة, وأي عزيز أعز على الموْمن من دينه الذي هو أرق كل شيء يكتنفه بين جوانحه ويطوي عليه عواطفه طالما أفداه سلفه بكل نفس ونفيس؟؟

يرى العالم منا اليوم ما حل بالدين من التحليلات العصرية والدواهي التبشيرية وغير ذلك مما لا يذكر وهو هو بصفته عالم ديني بدون ما يعير لمثل ذلك أدنى اهتمام ولا يتوجع على الأقل, لا والله, لبعيد أن يكون المتدين بتلك الصفة والمؤمن بتلك النسبة (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) سورة التوبة - الآية 111.

نقرأ في الصحف الشرقية فنجد فيها من الأخطار المتجهة للدين ما يدمي الفؤاد فتزيدنا كمدا على ما بنا والحال بقومنا, ولا نسمع من علماء الدين الذين نعلق عليهم أمالنا إلا صوتا ضئيلا في حال ما نرى من مقابليهم ما يملأ الفضاء ويوجب الاندهاش!

نعم رأينا من المؤسسات ما هو جدير بالإعجاب! وهو صدور مجلة بالقاهرة تحت عنوان: «الفتح» فقد نصبت نفسها للقيام بذلك الواجب المتحتم على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر فنتمنى أن يكون لها من الصحف والمجلات ما يشد لها العضد ويقوي ساعدها.

حقيق والله أن يلتفت حول مشروعها علماء الأمة على الإجمال وعلماء الأزهر على الخصوص لأنهم أفقه الناس بما مست إليه الحاجة فلا يحسن منهم التغافل على فرض استحسانه من غيرهم, والحق أنه لا يحسن من أي مسلم أن يتساهل فيما يقتضي بدخول الوهن في عزائم قومه والتشكيك في معتقداتهم وارتكاب الرذائل في معاملاتهم ومجتمعاتهم.

ولكن ها نحن نرى السفهاء انتصرت! والرذائل انتشرت! والأخلاق انحطمت! والنساء ترجلت! والولدان تخنثت! والبنات تهتكت! والنفوس تمردت! والإباحة تسربت! والحجب تمزقت! والمكارم اندرست! والمروءة ارتفعت! والحدود تجاوزت!... فأعلن الملحد بإلحاده! والزنديق بزندقته والإباحي بإباحته, فهل يحسن بالعالم المتدين أن يعلن بإيمانه ويعمل بواجب مرتبته, تلك المرتبة التي طالما التي توجته بإكليل العز والشرف الذي يميزه عن أبناء الإنسان من كونه, أمين الله على وحيه, المبلغ على لسان نبيه, القائم واسطة بين الله وبين خلقه.

فإني أرى الإسلام يطلب أبناءه على الإجمال والعلماء منهم على الخصوص بواجب أبوته, فإن قاموا بذلك فهم أولى ببنوته, وهو نسبهم الحقيقي عند الله يوم ينادي المنادي أين المتقون, وإن فرطوا في جانبه وابخسوا من حقه يخشى علينا وعليهم وأيم الله أن نعتبر في الإسلام أدعياء فجدير أن يستبدلنا الله بمن يقوم بواجب المرتبة على ما يقتضيه التنزيل (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) سورة الأنعام - الآية ,90 والعصمة بيد الله.

وها أنا أدعوكم بشرف الإسلام أن تعطوا للحالة الراهنة شيئا من الاهتمام, وأن تفكروا في مصيرنا الآن وبعد الآن, وأن تنظروا المستقبل في مرآة الحاضر, وإن تعذر عليكم ذلك فانظروا ماضيكم باعتبار الآن, كل ذلك ليس بالمستعصي على إدراكاتكم ولكن لابد للتقاعس من سبب.

إني أرى إلى علماء الدنيا فنجد كلا منهم يعد للمستقبل عدته, ولا نرى لعلماء الدين ما يعتد به من ذلك القبيل, في حال أن العوامل تنحت في كيان مجدهم نحتا محسوسا يصح أن يقع عليه البصر ويلمس باليد أيضا.

أنا لست ممن يؤهله الواقع إلى توجيه العظة للطبقة العالية من الأمة وصلحائها لو كان المنصف معمورا بالصفة التي يحتاج إليها الزمان, إنما أكون أنا من يسمع ويعمل وهو الشيء الذي أراه بي أوفق, وهذا أني لا أعتبر نفسي إلا بمنزلة من ينبه غيره لعمل يرى نفسه قاصرا على الإتيان به وهذا هو الشيء الذي دعانا أن نخاطب من هو أرفع منا منزلة وأشرف حرمة (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ) سورة فاطر الآية 22.



المصدر: جريدة البلاغ الجزائري - أبناء "الإسلام" مالكم لا تشعرون؟ العدد 26 بتاريخ 1 محرم 1345 (01-07-1927)


تعليقات