المذاكرات الشفوية للشيخ العلاوي - الخير والشر في فطرة الإنسان

من المذاكرات الشفوية للشيخ العلاوي (رضي الله عنه وأرضاه وقدس روحه) بزاويته بوهران وكان ذلك يوم الثلثاء 01 مايو 1928م, 11 ذي القعدة 1346هــ:

"إن الإنسان مركب في أصل فطرته الخير والشر, فمن غلب خيره على شره فهو يتصل بالرفيق الأعلى ويتحقق بأخلاق الملائكة ويتحلى بالفضائل وحسن المعاشرة مع اتصافه بلطافة الأخلاق والتوجه إلى الله بكثرة العبادات, وارتفاع الهمة عما بأيدي الناس واتكاله في جميع أموره على الحق جلت عظمته وأن لا يؤاخذ من أذاه من العباد إلا ما كان مخل بشرف الدين, فهذا الفريق يتولى الله أمره ويدفع عنه أذى الخلق لقوله جل شأنه "وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ" (الأعراف:196), كما أنه يدافع عن المؤمنين, وهذا الفريق لا بد له من التعاون بمحاذاة المؤمنين ومجالسة الصالحين والتخلق بأخلاقهم والسير على منهاجهم القويم, إذ هم السائرون على الصراط المستقيم. ولا يخفى أن التعاون على البر شرط في ديننا الحنيف لقوله تعالى "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى" (المائدة:2), كما أن محاذاة الصالحين شرط ثاني لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام لما قيل له "يا رسول الله من نجالس؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغِبكم في الآخرة عمله", أو كما قال, وهذه الأوصاف لا تكون إلا في حيز الذاكرين العارفين والعلماء العاملين.
 
أما من غلب شره على خيره, والعياذ بالله, فهو ينخفض إلى دركات الشياطين, عصمنا الله من شرهم, بقدر بعده عن درجات أهل اليقين, ويتصف بالرذائل بقدر تخليه عن الفضائل, وإعراضه عن الله, ويشتغل بما لا تحمد عقباه من أنواع الموبقات المخلة بشرف الإنسانية.
وعليه, فالواجب على إخواننا من الفقراء أن يجتنبوا كل من هذا شأنه, ويبعدوا عن مجالس السوء ومواضيع التهم, ويتحلوا بالفضائل ويتخلوا عن الرذائل, وأعلموا أن الإنسان إذا نظر نظرة محرمة نكتت على مرآة قلبه نكتة سوداء, وهكذا إذا تكلم بما يخالف الشرع الشريف من أنواع المعاصي كالغيبة والنميمة وما شاكل ذلك من بدئ الكلام, وكذلك من أنصت لمن يخوض في مثل ذلك".
 
ثم حض الجميع على أفعال البر ولو مع غيرهم, كالتحابب والتوادد والتزاور مع المحافظة على الصلوات في أوقاتها.
 
ثم قال ما معناه:
"إنه لا يخفى أن الزمان قد فسد واستبدلت الحسنات بالسيئات, وانحرف الناس عن الديانة إلا القليل ممن عصمهم الله ومن ذلك بعض المنتسبين العاملين بما يقتضيه مذهب القوم وهو موافقة سيرة السلف الصالح قولا وفعلا, لا المتراؤون على المذهب الذين أحدثوا في طريق الله ما ليس منها مما لا يتفق مع الدين, فان المذهب يتبرا منهم "براءة اليعسوب من دم ابن يعقوب", وهكذا بقي بعض العلماء العاملين والطلبة".


المصدر :البلاغ الجزائري,العدد 72, 8 جوان 1928, الصفحة رقم 3

 

 

 

 

تعليقات