روايات-18- الشيخ العلاوي والطالب المتفرنج

من مناقب الشيخ العلاوي، رضي الله عنه، أنه في أحد الأيام لم يسمع صوت الذِّكر المعتاد يتردّد في أرجاء الزاوية، مع أن ذكر الفقراء كان لا ينقطع فيها. فاستوقفه ذلك، وسأل عن السبب، فقيل له:
- "إن عالِمًا يلقي درسًا على الفقراء".

فخرج الشيخ من خلوته، ودخل الزاوية، فوجد ذلك العالم جالسًا يُحدّث الفقراء، فجلس الشيخ إلى جانبه في هدوء، ونظر إليه نظرة الفاحص البصير، فإذا هو حالق لحيته، متفرنج في هيئته ومظهره.

فقال له الشيخ بلطفٍ ممزوج بالحزم:
- "ماذا تقول؟"

فأجابه الرجل بأدب: 
- "يا سيدي، أستسمحك، إنما ألقي بعض الكلمات على هؤلاء الإخوان". 

فقال له الشيخ: 
- "إن علمك هذا لا إدام فيه، ولا يقبله الفقراء، ولا يستسيغونه". 

ثم صفق الشيخ بيده، ففهم الفقراء الإشارة، فقاموا جميعًا وشرعوا في الذكر والحضرة، فعادت الأنفاس إلى مجاريها، وسرى النور في القلوب، وارتفعت الأرواح بما تعرفه من غذائها الحقيقي. 

فلما فرغوا من الذكر، التفت الشيخ إليهم وقال: 
"سادتي الفقراء، الحالُ يكفي عن السؤال. إذا وجدتم عالمًا مثل هذا، متفرنجًا حالقًا، فخذوه هو وعلمه، واضربوا به لُجَّ البحر". 

الحكمة المستخرَجة:

تُظهر هذه القصة ميزانًا دقيقًا في طريق القوم, فالعلم عندهم ليس كلماتٍ تُلقى، ولا مسائل تُحفظ، بل حالٌ يُذاق ونورٌ يُورَث. والشيخ لم يُنكر العلم لذاته، وإنما أنكر علمًا خلا من الروح، وانفصل عن الذكر، ولم يثمر خشية ولا نورًا في صاحبه. فقوله: "لا إدام فيه" إشارة إلى أن العلم إذا لم يُغذِّ القلب كان كطعام بلا إدام، لا يُقوّي ولا يُشبع. وقوله: "الحال يكفي عن السؤال" قاعدةٌ صوفية عظيمة، معناها أن صدق السالك يُعرف بحاله، لا بدعواه، وبنوره لا بكلامه. أما أمره بضرب ذلك العلم في لُجّ البحر، فليس احتقارًا للعلم، بل تحذيرًا من علمٍ يخدم النفس والهوى، ولا يخدم القرب من الله؛ علمٍ قد يثقل الروح بدل أن يحرّرها. 

وهكذا يعلّمنا الشيخ أن الذكر روح الزاوية, والحال روح العلم, وأن المعرفة التي لا تُثمر تواضعًا ونورًا، قد تكون حجابًا لا هداية, فالعلم الحقّ ما أورث حضورًا، وما لم يقرّب إلى الله، فالبُعد عنه سلامة.

تعليقات