الشيخ عبد ربه البوزيدي

الشيخ اليزيد عبد ربه البوزيدي البوجرافي, من مواليد بني شقار عام 1925م, 1315هـ, حفظ القرآن تحت إشراف والده والذي كان فقيها وإماما في مساجد مختلفة بمنطقة الريف وكان من فقراء الطريقة العلاوية أخذ مباشرة من الشيخ العلاوي رضي الله عنه.

في سن التاسعة عشرة "19" أي عام 1943م, 1362هـ, قام برفقة والده وسيدي بن عيسى (الذي كان مقدم عن الطريقة العلاوية) بزيارة الشيخ محمادي بلحاج رضي الله عنه أحد خلفاء الشيخ العلاوي بريف المغرب, فاتخذه شيخا وأخذ عنه الطريق.

وذات يوم ذهب رفقة مريد آخر لزيارة شيخه محمادي بنية أخذ الاسم الأعظم, وبعد المذاكرة أمرهم الشيخ محمادي بمواصلة السير (إلى الله) مع الشيخ مولاي سليمان رضي الله عنهما.

فرح مولاي سليمان بمريده الحديث فرحا شديدا, ففي أحد الأيام من عام 1944م, 1362هـ, قال الشيخ مولاي سليمان أمام جميع مريديه: "فلتشهدوا يا إخواني أن هذا الرجل أصبح اليوم ابني, فاحترموه". وفي مناسبة أخرى, لقبه شيخه مولاي سليمان بـ "البوزيدي", حيث قال للفقراء ذات يوم: "إن هذا المريد قد غيرنا له هذا الاسم (اليزيد) فلا تنادوه بعد اليوم باليزيد ولكن قولوا البوزيدي لأن مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه كان له مريد اسمه البوزيدي (محمد بن أحمد الغماري) وهو الذي ورث علمه كما أكد ذلك مولاي العربي بنفسه, وكذلك هو اسم مربي الشيخ العلاوي سيدي حمُّو الشيخ البوزيدي رضي الله عنهم أجمعين".

فمنذ تلك اللحظة قام سيدي البوزيدي بخدمة زاوية شيخه جسدا وروحا, لم يترك أبدًا صحبة شيخه الذي عَيَّنَهُ فيما بعد إماما للصلاة وكذلك مقدما للإشراف على الجموع التي تنظم بالزاوية.

ومن مميزاته أنه كان له ذاكرة قوية حيث حفظ كل قصائد شيخه مولاي سليمان التي تبلغ 214 قصيدة, وكان يختار لحنًا مناسبا لكل منها, وكان معروفًا بصوته العذب.

في إحدى المناسبات, قال الشيخ مولاي سليمان لسيدي البوزيدي: "ضاعف مجهودك واعمل بجد لأنه بعد ثماني "8" أيام سينتقل الشيخ محمادي (إلى الرفيق الأعلى) وسنؤسس نظامًا جديدًا (أي الاستقلال بالطريقة) وحدث ذلك تمامًا كما قال حيث وَصَلَ نبأ وفاة الشيخ محمادي رضي الله عنه عام 1946م, 1365هـ, وانظم جميع الفقراء دون استثناء إلى الشيخ مولاي سليمان رضي الله عنه.

ذات ليلة حلم البوزيدي أن شيخه قال له: "قم واجتهد وأزوجك (أهلي) ظاهرا وباطنا." فحدث ذلك, حيث في عام 1947م, 1366هـ, زوجه الشيخ مولاي سليمان من ابنته واعتنى بنفقة المهر نيابة عنه, لأن سيدي البوزيدي كان فقيرًا للغاية.

انخرط سيدي البوزيدي في بداية أمره في الجيش, وكان له, بفضل الله, تأثيرا كبيرا على زملائه العسكر, حيث دخل في الطريقة عدد كبير منهم, وكان يقيم الجموع للذكر في الثكنات.
غادر الجيش عام 1953م, 1373هـ, وركَّز كل جهوده لخدمة شيخه والطريق بعد الحصول على إذنه في ذلك. أمضى العامين التاليين بدون عمل, ثم عمل بعد ذلك حارساً لإحدى الشركات الأجنبية بالناظور حيث توجد زاوية شيخه, وحتى في هذه الوظيفة استطاع أن يجلب إلى الزاوية أكثر من خمسين "50" من زملائه الذين دخلوا في الطريقة.

ازداد عدد الفقراء ولم يكن باستطاعة مساحة الزاوية استيعابهم, فقرر البوزيدي توسيعها, فشجع الفقراء بالتبرع ودعم المشروع, وحصَّل على مساعدة مجموعة من المهندسين المعماريين الإسبان الذين قاموا بتركيب قنوات المياه والكهرباء في الزاوية, ولما انتهت التوسعة عقد جمعا كبير للاحتفال بالحدث.

لما بلغ الشيخ مولاي سليمان ثمانين "80" عامًا, كان غير قادرا على المشي أو مغادرة بيته, فكان البوزيدي المسؤول عن أسرة شيخه, حيث قام بخدمتها على أكمل وجه وتولى شؤون الزاوية وتنظيم المناسبات الدينية والسياحات رفقة الفقراء إلخ...

لما شعر الشيخ مولاي سليمان باقتراب أجله, جمع أقرب مريديه وقال لهم: "سأخبركم بكل ما قاله مولاي العربي في رسالته التي تحدث فيها عن مريده البوزيدي: لم يخدمني أحد مثل البوزيدي, ولا أحد دعمني مالياً مثله, ولا أحد يعمل بلا كلل كما فعل, رغبتي أن يَؤُّمَ الصلاة في هذه الزاوية ويكون إماما للفقراء". ولكن ومع ذلك, كان مولاي سليمان مدركًا تمامًا أن الحسدة كانوا يتربصون بسيدي البوزيدي, فقال له: "إذا تركوك في الزاوية فأنت إمامها, وإلا غادر مع أطفالك وزوجتك, وأينما ذهبت, ستكون موفقًا إن شاء الله", كما طلب منه أن يصطحب معه زوجة شيخه وولديه سيدي عبد العزيز وسيدي محمد.

في عام 1970م, 1390هـ, توفي مولاي سليمان عن عمر ناهز 103 سنة, وكان من المقرر أن يبقى سيدي البوزيدي في الزاوية في العامين المقبلين, ولكن امتحنه الله بابتلاء فغادر الزاوية بناءً على وصية شيخه وأقام زاويته في زغانغان حيث لحقه غالبية فقراء الشيخ مولاي سليمان رضي الله عنه. وبقي خادما للطريق منذ ذلك الوقت حتى وفاته في 28 ديسمبر 2012م, 14 من صفر 1434هـ, عن عمر ناهز سبعة وثمانين "87" عامًا, رحمه الله ورضي عنه, وخلفه ولده سيدي عبد الرحيم في مشيخة الزاوية.

من مؤلفاته: كتاب إتحاف ذوي النهي والبصائر بتراجم الشيخ العلاوي وشيوخه وبعض خلفائه الأكابر (1990).


تعليقات