الشيخ العلاوي - إلى مشايخ التصوف وأرباب الزوايا

إلى مشايخ التصوف وأرباب الزوايا, أعني الخاصة منهم, لا المتداخلين..., ما كان يجمل بمثلي أيها السادة أن ينتصب لتذكيركم وأنتم المذكرون أو ينتدب لوعظكم وأنتم الواعظون لولا أن في القوم من فشلت عزائمه ,وتضعضعت دعائمه, فأصبح يعمل على خلاف ما يطلبه منه المقام الذي لم يكن إلا لمحض التذكير.

أيها السادة, إن منزلتكم في نظر الخصوص والعموم تعتبر من أشرف المنازل وأعلاها ,وأسنى المقامات وأغلاها, لما كساكم الله به من حلل الهيبة والمهابة, وتوجكم به من تاج العز والكرامة, وطوقكم به من النفود بين عباده, فأصبحتم وأنتم الأعلون, تأمرون وتنهون, كلمتكم مسموعة وإرادتكم متبوعة, ولِمَ كان ذلك يا ترى؟ فهل هي خاصية في أشخاصكم تستلزم رضوخ العامة إليكم بالطبيعة؟ كلا ثم كلا. وإنما هو الانتساب إلى الله والتظاهر بالانحياش إليه. ذلك هو الذي أكسبكم العز والجاه, الأمر الذي عجزت الجبابرة عن نيل أقل القليل منه.

وإذاً فهل يحسن بكم أيها السادة أن تتركوا ذلك النفوذ الذي منحكم الله إياه يذهب سدى؟ وماذا عسانا ينفعنا نفوذكم في المستقبل إذا لم ينفعنا الآن؟

لا شيء نرجوه أكثر من أن تبالغوا جهدكم في تبليغ دعوة الدين بين أفراد المسلمين خصوصا من يصل إليه نفوذكم, فيبتون فيه روحا جديدة وعهودا أكيدة تأخذونها منهم على أن يقوموا بواجب دينهم, فيحللون حلاله ويحرمون حرامه ويفعلون واجبه.

تفعلون ذلك بصفة تجدد للامة مجدها, إذ لا مجد للأمة إلا بمجدد دينها, حتى إذا سرت تلك الروح في الخاصة والعامة, ودبت تعاليم الدين في الصغير والكبير, وعلم كل فرد منا واجبه, أصبحنا وقد أدركنا كل شيء. فهذا أقل ما نرجوه منكم أيها السادة وما أظن أن يعجزكم نظيره. أما من لم يصرف نفوذه في مثل هذا السبيل فلا أبقى الله بيده نفوذا.

أيها السادة, إنه لقبيح بكم أن تفعلوا على خلاف ما تطلبكم به نسبتكم, تلك النسبة التي أكسبتكم من العز ما قد علمتم وعلم الناس أجمعون.

أنا لا أبرر مجموعكم ولا اتهم جميعكم بالتقصير, إنما أقول إن منكم القاسطون ومنكم دون ذلك, وعلى الإجمال, فالضعف مستحكم بالنظر لأسلافكم فإنهم (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) سورة الذاريات, الآية 17, فالآية شاهدة من الله, ومن أحسن من الله قيلا.

أيها السادة فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, بدأ هذا الدين (الإسلام) غريبا وسيعود غريبا, كما جاء في الحديث الشريف, وقد علمتم ما تمخضت به الدهور وحملت به العصور, واذاً, فماذا يكون واجبكم أمام هاته الكوارث المدلهمة التي دهمتكم في أعز عزيز عندكم وأشرف مقتنيه وهو دينكم الذي ارتضاه الله لكم, هل أعددتم لمقاومة تياراتها عدة أم تريدون مسايرتها على قاعدة الاستسلام؟ فإن كان كذلك فقد سرتم على غير ما يرضاه الشرع منكم, كان نبي هاته الأمة إمام المستسلمين, لكن لا فيما يمس بشرف الدين.

أيها السادة, فإن واجبكم اليوم ليس هو عين واجبكم بالأمس, كنتم وكان الدين في مطلع سعوده وأوج كماله, تحتاجون إليه أكثر من احتياجه إليكم, أما الآن وقد أصبح غريبا من أهله, مهددا من أعدائه, يرتقب نجدة أبنائه, فهل أنتم المرتقبون؟ فإن كنتم أنتم, فالعَجَل العَجَل, و (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) سورة محمد, الآية 7, وأنتم إذا سمحتم لنا أيها السادة, صحَّ مني أن أقول لكم أنكم مقصرون في القيام بواجبكم الحالي, أعني ما يطلبكم به الوقت من حقوقه التي لا يمكن قضاءها إلا وأن ذلك ما يطلبكم به مقام الإيمان (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) سورة التوبة, الآية 11.

ما يضركم أيها السادة لو قمتم لنصرة الدين مثنى وفرادى, جماعات وأفذاذا؟ فتنشرون ما اندرس من تعاليمه وتحيون من اندثر من معالمه, وأنا أظن أنه لا يسركم ما ترونه متزايدا يوميا من ضعضعة أركانه وانحلال أوصاله, حتى طمع في تنصير أبنائه المبشرون, وفي تشكيك أفراده الملحدون, وهاهم يعملون على ذلك غير متوانين ولا متكاسلين, على مرآى ومسمع منكم ومن غيركم, وأنتم لا تبدون حسيسا ولا تنتصرون. فإن يكن ذلك واجبهم فما هو واجبكم أنتم يا ترى؟

وإني إلى الآن لم ادرِ من وكلتموه للقيام بمقامكم في مقاومة ما لحق بدينكم الذي ارتضاه الله لكم وكنتم أنتم حراسه الحامين ذماره, فهل تريدون أن يستبدل الله بكم غيركم ثم لا تعجزونه فيما يفعله معكم جزاء تغافلكم, أم ماذا تنظرون؟ فان الوقت يطلبكم بالتفكير فيما يكون وقاية لدينكم, فتدبروا واعملوا إننا معكم عاملون, والسلام.

 
المصدر: جريدة البلاغ الجزائري - إلى مشايخ التصوف وأرباب الزوايا, العدد 121 بتاريخ 07-06-1929


تعليقات