كان الشيخ أحمد العلاوي (رضي الله عنه) يُوجه مريديه بحكمة وعناية خاصة، وكان يولي أهمية كبرى لكيفية استماعهم لمواعظه ودروسه الروحية. في أحد توجيهاته، كان الشيخ العلاوي يكرر على مريديه قوله: "آداب المريد في المذاكرة كآداب الجمعة"، في إشارة إلى ضرورة أن يتبع المريد في جلسات المذاكرة مع الشيخ نفس الآداب التي يجب أن يتبعها المسلم في صلاة الجمعة، حيث تقتضي الجدية التامة والتفرغ الكلي.
المعنى العميق في توجيه الشيخ:
الإصغاء التام والانتباه الكامل:
كان الشيخ العلاوي يُعلم مريديه أن المذاكرة معه ليست مجرد حديث عابر أو درس عادي، بل هي لحظة هامة تتطلب منهم الانتباه الكامل. كان يريد أن يذكرهم بأهمية الاستماع باهتمام تام، تمامًا كما أن المسلم لا يجب أن يشغله شيء أثناء صلاة الجمعة عن الاستماع للخطبة والتفاعل معها. فكل كلمة من الشيخ كانت تحمل بُعدًا روحيًا، وكان من المهم أن يكون المريد في حالة من التركيز الكامل على كلام الشيخ، سواء كان هذا التوجيه يتعلق بالأذكار أو الدروس الروحية أو التأملات.
حضور الجوارح كلها:
كان الشيخ العلاوي يشدد على أن المريد يجب أن يصغي بجميع جوارحه عند سماعه لكلام الشيخ. يعني هذا أن لا يكون الجسد حاضرًا فقط، بل أيضًا القلب والعقل. ينبغي أن يكون المريد في حالة من التأمل والتركيز، حيث تكون جميع حواسه منصبة على الفهم والاستيعاب، دون تشتت. وهذا مشابه إلى حد كبير لما نعيشه أثناء صلاة الجمعة، حيث يكون المسلم في حضرة الله، يجب أن يتفرغ لها بكل كيانه.
التقدير والهيبة:
كان الشيخ العلاوي يربط بين آداب المريد في المذاكرة وآداب جلسة الجمعة التي تجسد التقدير الكامل للمقام. في حديثه، كان يشير إلى حال الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا في مجلسه كما لو أنهم على رؤوسهم الطير، أي أنهم كانوا في حالة من الاستماع الكامل والإصغاء التام، بلا أي نوع من السهو أو الانشغال. في هذا السياق، كان الشيخ العلاوي يطلب من مريديه أن يكونوا في حالة مشابهة حين يكونون في مجلسه، أي أن تكون هيبة المجلس وحالة الخشوع حاضرة، لتكون الفائدة الروحية أكبر.
التفكير والتدبر في ما يقال:
كان الشيخ العلاوي يلفت نظر مريديه إلى أنه لا يكفي أن يكون المريد حاضرًا جسديًا فقط؛ بل عليه أن يكون متفهمًا لما يقال. فالكلام الذي يوجهه الشيخ ليس مجرد كلمات عابرة، بل هو رسائل روحانية وتوجيهات ربانية تسعى إلى تنمية الروح وتزكيتها. لذا، على المريد أن يتفكر في معنى الكلام، ويستحضره في قلبه وعقله ليكون قادرًا على تطبيقه في حياته.
العبرة الأخلاقية:
الهيبة في مجالس العلم:
مثلما كان الصحابة رضي الله عنهم يحترمون مقام النبي صلى الله عليه وسلم ويصغون له بكل جوارحهم، كان الشيخ العلاوي يطلب من مريديه أن يحيطوا مجالس الذكر والتوجيه الروحي بنفس الهيبة والاحترام، ليزداد أثر كلام الشيخ في قلوبهم. الهيبة لا تعني الخوف، بل تعني تقدير المقام ووعي أهمية اللحظة.
الحضور الكامل في المذاكرة:
عندما يكون الإنسان حاضرًا بجسده فقط ولا يكون قلبه وعقله متواجدين، فإن الفائدة الروحية تكون محدودة. يجب على المريد أن يكون في حالة من الانتباه والتركيز الكامل، ولا يشغله شيء عن ملاقاة العلم والتوجيه الروحي.
التفرغ للتوجيه الروحي:
مثلما نخصص وقتًا يوميًا للعبادة أو الأعمال الهامة في حياتنا، كان الشيخ العلاوي يطلب من مريديه أن يتفرغوا تمامًا لجلسات المذاكرة، مستشعرين أهمية ما يسمعونه، متخذين منها غذاءً للروح يساهم في ترقيهم الروحي.
الإصغاء كما لو كنت تستمع إلى محبوبك:
أحد المفاتيح الأساسية التي كان الشيخ العلاوي يذكرها لمريديه هو أن تكون جلسة المذاكرة مع الشيخ بمثابة الاستماع إلى محبوبك، غاية ما تحب وتشتهي، من دون تشتت أو تردد. هذا التواصل الروحي مع الشيخ يكون ميسرًا عندما يكون القلب حاضرًا بكل إخلاص.
الدرس النهائي:
من خلال هذه التوجيهات، يعلمنا الشيخ العلاوي أن العلم الروحي ليس مجرد استماع أو تلقي للمعلومات، بل هو حالة من الحضور الكلي، حيث يتم الاستماع والتفاعل مع كلام الشيخ بكل جوارحنا. فإذا كنا نحترم مجالس العلم كما نحترم شعائرنا الدينية، فإن ذلك سيعود علينا بثمرات روحية عظيمة تساعدنا على التقدم في طريقنا إلى الله.

تعليقات
إرسال تعليق