أرزقي زيتوني

أحد مشايخ الطريقة بالجزائر العاصمة, جاء من عاصمة الجزائر قاصدا مدينة عنابة لزيارة أخيه, فكان حرصه على صلة رحمه سببا في وصوله لمن اشتقت الرحم من اسمه, فساقته عناية الله للقاء شيخه المربي حامل لواء الطريقة العلوية بالشرق الجزائري الذي قال عنه الشيخ العلاوي: الطريقة العلاوية ولدت لنا رجلا واحد هو سيدي
لحسن الطرابلسي, إشارة منه إلى انه الواحد الذي يلي الواحد في كل زمان, رضي الله عنهم أجمعين, فشمر الشيخ أرزقي عن ساق الجد ناهضا لأمر شيخه ممتثلا متأدبا لهجا باسم الله في كل انفاسه, متواضعا متذللا لأخوانه لا يتألى عليهم علما ولا مذاكرة, فكان يسبقهم إلى الزاوية باكرا يقوم بتنظيف المراحيض وجلب مياه الوضوء من البئر ليأتي المريدون ليجدوا كل شيء في متناولهم من غير تعب، وبعد عودة المريدين إلى ديارهم ليلا يرجع لتنظيف المراحيض قبل نومه, فلبث في الزاوية مدة حوالي ستة أشهر لا يبارحها.

ويروى أن بعضعهم أشاروا على الشيخ بأن يهيئوا بيت الخلوة ليدخلها الشيخ أرزقي فقال لهم الشيخ الحاج لحسن: "سيدي أرزقي لا يحتاج إلى الخلوة فهو في خلوة أصلا, لاشتغاله بذكر الله بالجد والحزم وابتعاده كليا عن القيل والقال, حتى قسم الله له" اي يكون هو ايضا الواحد الذي يأتي بعد الواحد لكل زمان, بعدها قال له شيخه الحاج لحسن الطرابلسي: "سيدي يمكنك الرجوع للعاصمة ولتكن بيتك هي الزاوية وملجأ الذاكرين وطالبي معرفة الله".

وكان الشيخ الحاج لحسن رحمه الله يقول لمريديه في آخر حياته: "من أراد السياحة إلى العاصمة فإنه يوجد شيخ واحد في الجزائر هو الشيخ أرزقي", رغم أن العاصمة انذاك كانت تعج بشيوخ الطريقة من مقاديم الشيخ العلاوي, لكي ينبه المريدين الباحثين عن الله, فكان كذلك.

ويروي ابن الشيخ الحاج لحسن العربي الطرابلسي رحمه الله يقول: "لم أرى والدي يفرح لرؤية أحد كفرحته عندما يرى الشيخ أرزقي, لأنه كان يرى فيه غرسه الذي أصبح شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها".

واختار الشيخ ارزقي رضي الله عنه أن يكون أول مكان يقصده ليدعو الناس إلى الله هو إذاعة الجزائر حيث يجتمع الفنانون للهو والغناء فتحدى الشيطان في وكره وصارت أعداد من الفنانين والموسيقيين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم, ولايزال كذلك حتى حل عنده من هيأه الله لحمل الأمانة, سيدي مولاي الشيخ يحيى بن محمد بن يحيى, ومما قال الشيخ أرزقي فيه: "سيدي يحيى أعطى حق ( لا إله إلا الله ), فكان أحق بها و أهلها", إشارة مما يرويه لنا سيدي عُمار (سيدي إلياس) أنه كان يبحث عن كتاب لسيدي عبد القادر الجيلاني (عنوانه سر الأسرار ومظهر الأنوار), فبحث جاهدا في أغلب مكتبات العاصمة فلم يجده, فخطر بباله أن يسأل بعض أئمة المساجد عسى أن يفيدوه, فكان أول إمام مسجد يلتقي به هو الشيخ أرزقي حيث كان انذاك إماما بالجامع الكبير بالعاصمة, فاستأذن للدخول إلى المقصورة عند الإمام فرحب به الشيخ وقال له: "ما حاجتك يا ولدي", فقال له سيدي عمار: "إني أبحث عن كتاب إذا كان موجودا عندك", فقال له الشيخ: "أي كتاب ؟" فأعطاه العنوان, فنظر إليه الشيخ بجد, حتى قال سيدي عمار انه وقع في قلبه خوف وهيبة من الشيخ, ثم أخذ الشيخ يسأل سيدي عمار عدة اسئلة في مواضيع شتى وسيدي عمار يجيب على قدر علمه وكان كلما أجاب يقول الشيخ أرزقي وهو راض: "يا رحمتك يا ربي", ثم سأل الشيخ سيدي عمار إذا عنده وقت يأتي معه بعد الصلاة فظن سيدي عمار انه سيعطيه الكتاب فقال له نعم. وبعض الصلاة أخذه معه إلى الزاوية لحضور الجمع والحضرة مع الفقرا وكان اول مرة سيدي عمار يرى هذا الفن, فأعطاه الشيخ عهد الطريقة وأورادها وأصبح ملازما للجمع كل اسبوع, بعد مدة أعاد سيدي عمار سؤال الشيخ عن كتاب سر الأسرا ر فأجابه الشيخ مباشرة: "أنا هو سر الأسرار".

فبقي سيدي عمار ملازما شيخه حتى فتح الله عليه وشهد له الشيخ بالولاية ولا يزال إلى يومنا ملازما لسيدي الشيخ يحيى في المدية بعد وفاة سيدي الشيخ أرزقي رحمه الله ورضي الله عنهم أجمعين.

مما كان يقوله سيدي الشيخ أرزقي لمريديه: "أبرد وكول ما دامني حي", (ومعنى كلمة أبرد أي حك قطعة الذهب الكبيرة بمعدن خشن كي يتناثر منها قطع صغيرة يمكن بيعها والاستفادة من ثمنها) أي اغتنموا وقتكم في ذكر الله فكل شيء سهل عليكم ما دامني حي.

نفعني الله و إياكم بذكر ساداتنا المشايخ الأساند أولي الشواهد و أولياءه الأماجد الذين بصحبتهم تتم كل الفوائد, فعند ذكرهم تنزل الرحمات.

الشيخ سيدي معلم يحيى أرزقي رحمه الله تعالى, الزاوية الشاذلية بالمرادية, الجزائر العاصمة.

تعليقات