أحمد بن إسماعيل - الشهائد والفتاوي

الشاهد العاشر من القسم الثاني من شهود أعيان مدينة مستغانم ورؤسائها في كتاب الشهائد والفتاوي, أحمد ولد الهاشمي بن إسماعيل, تاريخ الميلاد غير معروف ولكن نقدره حوالي 1875م.


أحمد بن إسماعيل من أسرة عريقة ومعروفة في مدينة مستغانم وتلمسان وصهره في تلمسان هو الحاج محمد العشعاشي الهبري. كان من كبار التجار في مدينة مستغانم وله دكاكين ومخازن للبضاعة التجارية, وعضو في الغرفة التجارية منذ عام 1922, وشخصية قوية و معروفة وكلامه محترم في مدينته.

تعلق في شبابه بالشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي حوالي 1895م مع بعض الشباب من أبرز وأخير وأطهر عائلات مستغانم, وفنى في شيخه فناءا لا حد له, فكان ينفق عليه من ماله وبنى له زاويته المشهورة بتجديت بضاحية مستغانم.

لما توفي الشيخ البوزيدي, كان من بين أتباع خليفته الشيخ أحمد العلاوي ولكن بقي ملازما لزاوية شيخه. كان بالفعل عضوا في كلا الزاويتين, البوزيدية والعلاوية, ولكنه كان على رأس الزاوية البوزيدية مقدما وممثلا لها في شمال أفريقيا حتى وفاته, كما جاء ذلك في الصحف الفرنسية آنذاك لما تتناول موضوعا يكون هو المعني. فكلا من الزاويتين كانتا بؤر لنفس التشكيلة بالنسبة له وقبة واحدة لأنه كان يرى أن العلاوية هي امتداد للبوزيدية وتأسست بفضل إمدادات وفيوضات الشيخ البوزيدي والتي واصل وريثه الروحي الشيخ العلاوي في المحافظة على تقاليد الطريقة العريقة وبذل كل جهده لانتشار الطريق عبر مناطق واسعة من الوطن وحتى من خارجه.

ارتباطه الشديد بشيخه البوزيدي لم يكل أبداً حتى بعد وفاته. يروى عن أحمد بن إسماعيل أنه في ليلة من الليالي جاءت جماعة من اللصوص قاصدين المخزن بالمطمر, ولما وقفوا عند باب المخزن وحاولوا أن يفتحوه انفتح الباب على مصراعيه وظهرت للصوص صورة الشيخ سيدي محمد بن الحبيب البوزيدي على هيئته المعروفة وهو يعاتبهم قائلا: "ألا تتقوا الله, أتخدعون أخاكم؟" وكررها ثلاثة مرات, عندئذ استحى اللصوص وأغلقوا الباب وانصرفوا. وفي صباح الغد ذهب رئيس جماعة اللصوص إلى الحاج أحمد بن إسماعيل وبعدما سلم عليه, وأثناء الحديث الذي جرى بينهما, قال رئيسهم: "أبشرك إن أمنتني", فقال له أحمد: "عليك الآمان التام"، فرد عليه: "نعم الشيخ شيخك فهو حريص عليك وعلى متاعك في الممات كما كان في الحياة". وقص عليه القصة فرد عليه أحمد بن إسماعيل بقول الله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ, (الأعراف )43, صدق الله العظيم", ثم أضاف: "والله العظيم ما شككت في أمر شيخي بأنه محمدي رباني".

لم يكن ارتباطه بالشيخ العلاوي أقل حماسا, بل بالعكس, فبفضل بعض المقالات في الصحف الفرنسية آنذاك, علمنا أن أحمد بن إسماعيل كان حاضرا في كل احتفال سنوي للطريقة العلاوية وكان يشيد بشيخه العلاوي أمام أفراد السلطات الإدارية الفرنسية بلسانهم, حيث كان يتقن لغتهم جيدا, والشيخ العلاوي كان يكلفه بهاته المهمة للأسباب التي ذكرناها آنفا ولبروز شخصيته بين الأوساط الإدارية. وفي ما يلي نظرة عامة على خطاباته:

"سأقوم بتنويركم فيما يخص العقيدة الدينية لشيخنا المبجل (العلاوي). فمنذ شبابي, عرفتُه شخصًا بسيطًا جدًا وفي غاية الطيبة, يُعَلِّمُ أتباعه انتهاج منهاج الخير الذي هو مبدأ جميع الأديان, ثقافته غزيرة ومعرفته كبيرة, استطاع بفضل قدرته على الإقناع بنشر طريقتنا على نطاق أوسع حيث هي اليوم إحدى أهم الطرق في إفريقيا". الجزائر, 27 أكتوبر 1929.

"الشيخ إبن عليوة الذي هو إبن مستغانم, استطاع أن يكسب محبة الناس بفضل معرفته وإحاطته بجميع العلوم, ويرشد أتباعه على الاستقامة والصدق, وجهده الذي بذله في سبيل الطريق لم يذهب سدى, بما أننا نرى اليوم العدد الهائل من الفقراء الذين أتوا من كل حدب وصوب بمناسبة هذا الاجتماع الروحي, وهذا فقط بصمة كبيرة لجهوده المثمرة". مستغانم , 23 أغسطس 1931. إهـ.

تاريخ أحمد بن إسماعيل عامر بالجهود, بالمثابرة, بالصدق, بالخير, بالكرم والجود دون المجاهرة بهما, وهذا الذي ما يميزه عن غيره. بإيمانه القوي, ربى أفراد عائلته على التقوى والاحترام الكامل للدين.

توفي يوم  الاثنين 2 مايو 1938م بعد وقت قصير من عودته من الحج.

وقد نشرت في الصحف آنذاك مراسيم تشييع جنازته و يمكن لنا قراءة ما يلي :

"شيعت جنازته في زاوية سيدي حمو الشيخ بحضور حشد كبير الذي رافق مسار الموكب إلى المقبرة, وحضر جنازته من المنطقة الغربية كلا من عائلته الكبيرة وأصدقاءه وكل فقراء الطرق الصوفية, وحفظة القرآن, والعلماء, وممثلين عن الإدارة الاستعمارية, والبنوك, والمحاكم والتجار وممثلين الميدان الصناعي. بعد أن أقيمت صلاة الجنازة, قام كل من الشيخ المنور بن تونس, إمام مزغران, والشيخ الفقيه محمد العوادي, والشيخ علي البودليمي مقدم الشيخ العلاوي في تلمسان, والشيخ عدة بن تونس, بتقديم كلمة تسطر مزايا الرجل الذي ترأس الطريقة البوزيدية في شمال أفريقيا, رجل يحب الخير, دائما على استعداد لتخفيف البؤس عن غيره, ترك في نفوس الناس ألما هائلا برحيله, الرجل الذي لم يحد أبدا عن طريق الله ورسوله". رحمه الله وجعل الجنة مثواه, آمين. 

- إنتقل إلى فهرس الشهائد والفتاوي
- إنتقل إلى فهرس الأعلام اللاحقين

تعليقات