رسالة الشيخ العلاوي إلى بعض أتباعه بتونس

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي جعل في قلوب أوليائه يقينا بما عرفوه من الحقّ،  فكانوا بذلك على أساس متين: (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة / الأنبياء آية / 103)، لا يولون عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولو عارضهم العالم أجمع، لا يزدادون بذلك إلاّ تمكينا: (وكأي من نبيّ قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا / آل عمران آية / 146)، ولنا في نبيّنا أسوة حسنة، فلمّا عارضه المعارضون، وخذله المنافقون، وما ضعف وما استكان: (يثبت الله الذين أمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة / إبراهيم آية / 27).

هذا وبعد السلام اللائق بحضرة إخواننا التونسيين، زادهم الله إيمانا ويقينا، أخصّ بالذكر المقدّم الأبر سيدي الشيخ الطاهر ابن الحاج العربي، وإخواننا الأبرار كالعالم الأجل (سيدي الطيب ابن غشام، سيدي أحمد الصحراوي وابنه سيدي محمد، وسيدي الصادق الشباطي، وسيدي محمد بن حامد، وسيدي على رمضان، وسيدي الشاذلي، وسيدي عثمان، وسيدي، وسيدي، وسيدي …..)، وليس ذلك إلاّ خيفة عدم استعدادكم لحمل الامتحان، الذي هو كاللازم لكلّ منتسب، قال تعالى: (ألم, أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ / العنكبوت آية / 1، 2).

وعليه فليس لنا إلاّ التواصي بالحقّ، والتواصي بالصبر عليه، والعاقبة للمتقين، وقد ذكرتم: إنّ المرجفين شنّعوا بأنّكم على غير السنّة، فما يمنعهم أن يقولوا أكثر من ذلك: (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم / البقرة آية / 118).

قال في شرح (الحكم): ما هي إلاّ نزعة شيطانيّة إسرائيليّة، صدّقوا بموسى وعيسى، ولم يروهما، وكذّبوا (بمحمد) وهو معهم (فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين / البقرة آية / 89)، ولا ينكر فكري أن يكون نسب المعرضين لطريقتنا متصلا (بابن البراء)، فليبحثوا في نسبهم، فإنّ نسبنا الروحي متصّل بالشاذليّ، ولله الحمد (قل كلّ يعمل على شاكلته / الإسراء آية / 84)، وما يضرّكم قولهم إن علمتم من أنفسكم أنّكم على صراط مستقيم، وهل يصحّ من العاقل، أن يترك يقين ما عنده لظنّ ما عند الناس ؟ (إن يتبعون إلاّ الظنّ / الأنعام آية / 116)، قبّح الله الجهل ما أشنعه، وليس في ظنّي أنّ الحكومة تعير شريف سمعها لكلّ مرجف (مناع للخير معتد أثيم / القلم آية / 12)، قال تعالى: (يا أيّها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة / الحجرات آية / 6)، وما ذكرتموه من احتجاج أحد المعرضين بما في كتابنا المنح القدوسيّة، فليس في ذلك ما يدلّ على غباوته وجهله بمعلوماته، فضلا عن معلومات غيره، ومن أعلاها علم القوم الذي قلّ من يمارسه اليوم، وممّا يشعرنا بتقصيره في المبادىء إعراضه عن قولنا: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينتفع بالصلاة عليه، فظهر عنده هذا القول كأنّه غريب، ولا من يقول به، والحالة أنّه متداول بين أصناف الطلبة، قلّ إن تخلّص منه مقدّمة كتاب ومن ذلك ما ذكره البيجوري على الجوهرة: (إنّ الصحيح أنّه صلّى الله عليه وسلّم ينتفع بالصلاة عليه)، إلى أن استطرد قول بعضهم:

وصححوا بأنّه ينتفـــــع ***  بذي الصلاة شأنه مرتفع
لكنّه لا ينبغي التصريح *** لنا بذي القول وذا صحيح

ولا نطيل الكلام في هذه النازلة لوضوحها، وما ذكره البيجوري هم بالنظر لصلاة الخلق على محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا بالنظر لصلاة الله على محمد الذي هو مضمون كلامنا، لا يقول بعدم الانتفاع به إلاّ مخذول يقول ولا يفهم ما يقول، وأي عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر، ينكر انتفاع محمد صلّى الله عليه وسلّم بصلاة الله عليه، ولعلّ المعارض يقول: إنّ الصلاة نفعها عائد على المصلّي، لا على المصلّى عليه، قلت: وهذا إذا كانت من الخلق، وأمّا إذا كانت من الحقّ، فهل تكون عبثا، أو تعود فائدتها على الله، قبّح الله الجهل وما في معناه، وأنّ تقصير المعارض في طريقة القوم فهو أشهر من أن يستدل عليه، لأنّه لو تكرّر على مسمعه من اصطلاحاتهم، وتمكّنت من قلبه بعض عباراتهم، وعلم أنّ ألفاظهم أقرب إلى المجاز منه إلى الحقيقة، لوجد في ذلك مجالا أوسع من أن يضيق من أقوالنا، وبالأقل كان يحمل ما في المنح القدوسيّة من قوله (تطور في أطوار شتى لتظهر عظمته) على المجاز بالحذف، لأنّ من أنواعه ما يدلّ العقل على حذفه كقوله تعالى: (وجاء ربّك)، فدلّ العقل على أنّ فاعل جاء محذوف، لاستحالة تصوّر المجيء من الحقّ، ولم لا يقدر هذا المعارض محذوفا، إذا علم أنّ التطوّر لا يصحّ من الحقّ، ويقول تطور سرّه أو نوره وما هو من هذا القبيل، ولكن التعصّب يعمي ويصم، وسنبعث لكم إن شاء الله رسالتنا في التوحيد المسمّاة بالقول المقبول فيما تتوّصل إليه العقول، لأنّ عقل العموم أضعف من أن يتوّصل لعلم القوم، وقد كنت عازما على زيارتكم، فعارضني عوارض في الحال، ولا يمتنع تيسير ذلك إن شاء الله في المستقبل، واستعينوا بالصبر والصلاة والملتجأ إلى الله، ومنه شأن النجاة ودمتم سالمين.

كتب مولانا الأستاذ هذا المكتوب لبعض أتباعه بتونس لما شنّع بعض الطلبة، ووشي بهم إلى الحكومة، حتى منعتهم من المحل الذي كانوا يذكرون فيه، ولمّا وصلهم المكتوب، عرضوه على الحكومة، فقام عندها مقاما كافيا في توضيح الحقيقة، على ما هي عليه، فأذنت لهم حينئذ في الرجوع إلى محلّهم المعتاد.

تعليقات